ابو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة
الفصل الأول
ابو بكر الصديق رضي الله عنه في مكة
إسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته
وأسرته وحياته في الجاهلية
أولاً: أسمه ونسبه وكنيته وألقابه:
هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي( )، ويلتقي مع النبي في النسب في الجد السادس مرة بن كعب( ) ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفتى من الإبل، والجمع بكارة وأبكر وقد سمَّت العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة( ) ولُقب أبوبكر ، بألقاب عديدة كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب منها:
1- العتيق:
لقبّه به النبي ؛ فقد قال له : (أنت عتيقُ الله من النار) فسُمِّيَ عتيقاً( ) وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله ، فقال له رسول الله : (أبشر فأنت عتيق الله من النار)( )، فمن يؤمئذ سُمي عتيقاً( )، وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرة لهذا اللقب، فقد قيل: إنما سمي عتيقاً لجمال وجهه( )، وقيل لأنه كان قديماً في الخير( )، وقيل سمي عتيقاً لعتاقة وجهه( )، وقيل إن أم أبي بكر كان لايعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي( )، ولا مانع للجمع بين بعض هذه الأقوال، فأبي بكر جميل الوجه، حسن النسب، صاحب يد سابقة الى الخير، وهو عتيق الله من النار بفضل بشارة النبي له( ).
2- الصديق:
لقبه به النبي ففي حديث أنس أنه قال: أن النبي صعد أحداً، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، فوجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان( ).
وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي ، وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتقول: لما أسري بالنبي الى المسجد الاقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناسُ، كانوا آمنوا به وصدقوه وسعى رجال الى أبي بكر، فقالوا: هل لك الى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليله الى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة الى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!! قال نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبوبكر الصديق( ).
وقد أجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر الى تصديق الرسول ولازمه الصدق فلم تقع منه هناة أبداً( )، فقد اتصف بهذا اللقب ومدحه الشعراء:
قال ابو محجن الثقفي:
وسُمِّيت صديقاً وكل مهاجر
سواك يُسَمَّى باسمه غير منكر
سبقت الى الاسلام والله شاهد
وكنت جليساً في العريش المشهر( )
وأنشد الأصمعي( )، فقال:
ولكني أحبّ بكل قلبي
وأعلم أن ذاك من الصواب
رسول الله والصدِّيق حبَّاً
به أرجو غداً حسن الثواب( )
3- الصاحب:
لقبه به الله عز وجل في القرآن الكريم: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة، الآية:40) وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود هنا هو أبوبكر ( )، فعن أنس أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي وهو في الغار: لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه!! فقال النبي : (ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما)( ).
قال الحافظ رحمه الله: ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا......... إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}فإن المراد بصاحبه هنا أبوبكر بلا منازع( )، والاحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في المنقبة غيره( ).
4- الأتقى:
لقبه به الله عز وجل في القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} (سورة الليل، الآية: 17). وسيأتي بيان ذلك في حديثنا عن المعذبين في الله الذين أعتقهم أبوبكر .
5- الأواه:
لقب أبو بكر بالأواه وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن ابراهيم النخعي قال: كان أبوبكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته( ).
ثانياً: مولده وصفته الخَلْقية:
لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر( )، وقد نشأ نشأة كريمة طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعز في قومهما مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه( ).
وأما صفته الخِلقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلاً نحيفاً، خفيف اللحم أبيض( )، وقد وصفه أصحاب السير من افواه الرواة فقالوا: أن أبا بكر اتصف بأنه: كان أبيض تخالطه صُفرة، حسن القامة، نحيفاً خفيف العارضين، أجنأ( )، لايستمسك إزاره يسترخي عن حقويه( ) رقيقاً معروق الوجه( )، غائر العينين( )، اقنى( )، حمش الساقين( )، ممحوص الفخذين( )، وكان ناتئ الجبهة، عاري الأشجاع( ) ويخضب لحيته، وشيبه بالحناء والكتم( ).
ثالثاً: أسرته:
أما والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو يكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله فقال: ياأبا بكر هلا تركته، حتى نأتيه، فقال أبوبكر: هوأولى أن يأتيك يارسول الله، فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله ( )، ويروى أن رسول الله هنأ أبا بكر بإسلام أبيه( )، وقال لأبي بكر غيروا هذا من شعره، فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثغامة( ).
وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنَّهُ النبي في توقير كبار السن واحترامهم ويؤكد ذلك قوله (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)( ).
وأما والدة الصديق، فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخير أسلمت مبكراً وسيأتي تفصيل ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي على الظهور بمكة( ).
وأما زوجاته؛ فقد تزوج من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهنّ على التوالي:
1- قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:
اختلف في إسلامها( )، وهي والدة عبدالله وأسماء وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية- وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن الى إبنتها أسماء بنت أبي بكر بالمدينة، فابت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فأرسلت الى عائشة تسأل النبي فقال النبي : (لِتُدْخِلها ولتقبل هديتها)، وأنزل الله عز وجل {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (سورة المتحنة، الآية:
أي لايمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير الى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء، والضعفة منهم كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولايمنعكم أيضاً من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء مالهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعود، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم( ).
2- أم رومان بنت عامر بن عويمر:
من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبوبكر، وأسلمت قديماً، وبايعت، وهاجرت الى المدينة وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي بالمدينة سنة ست من الهجرة( ).
3- أسماء بن عُمَيس بن معبد بن الحارث:
أم عبدالله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول ، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب الى الحبشة، ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمداً روى عنها من الصحابة : عمر، وأبو موسى، وعبدالله بن عباس، وأم الفضل امرأة العباس، فكانت أكرم الناس أصهاراً فمن أصهارها: رسول الله وحمزة، والعباس وغيرهم( ).
4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير:
الانصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته وقد أقام عندها الصديق بالسُّنح